فصل: فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ:

(يُقَدِّمُ دَاخِلُ الْخَلَاءِ يَسَارَهُ وَالْخَارِجُ يَمِينَهُ) لِمُنَاسِبَةِ الْيَسَارِ لِلْمُسْتَقْذَرِ وَالْيَمِينِ لِغَيْرِهِ، وَالْخَلَاءُ بِالْمَدِّ الْمَكَانُ الْخَالِي نُقِلَ إلَى الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ عُرْفًا (وَلَا يَحْمِلُ) فِي الْخَلَاءِ (ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ مَكْتُوبَ ذِكْرٍ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَحَمْلُهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ، وَالصَّحْرَاءُ كَالْبُنْيَانِ فِي هَذَيْنِ الْأَدَبَيْنِ. (وَيَعْتَمِدُ) فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ (جَالِسًا يَسَارَهُ) دُونَ يَمِينِهِ فَيَنْصِبُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ وَلَوْ بَالَ قَائِمًا فَرَّجَ بَيْنَهُمَا فَيَعْتَمِدُهَا (وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا) أَدَبًا فِي الْبُنْيَانِ (وَيَحْرُمَانِ بِالصَّحْرَاءِ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَرَوَيَا أَيْضًا«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ». وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ«أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ أَوَقَدْ فَعَلُوهَا حَوِّلُوا بِمَقْعَدَتِي إلَى الْقِبْلَةِ» فَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِحَمْلِ أَوَّلِهَا الْمُفِيدِ لِلتَّحْرِيمِ عَلَى الصَّحْرَاءِ لِأَنَّهَا لِسَعَتِهَا لَا يَشُقُّ فِيهَا اجْتِنَابُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ بِخِلَافِ الْبُنْيَانِ فَقَدْ يَشُقُّ فِيهِ اجْتِنَابُ ذَلِكَ فَيَجُوزُ فِعْلُهُ كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَنَا تَرْكَهُ. نَعَمْ يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي الصَّحْرَاءِ إذَا اسْتَتَرَ بِمُرْتَفَعٍ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ وَقَرُبَ مِنْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ وَيَحْرُمُ فِعْلُهُ فِي الْبُنْيَانِ إذَا لَمْ يَسْتَتِرْ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْبِنَاءِ الْمُهَيَّأِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ بَعُدَ السَّاتِرُ، وَقَصَرَ ذِكْرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَرْخَى ذَيْلَهُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ حَصَلَ بِهِ السَّتْرُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْمُرَادُ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْآدَمِيِّ (وَيَبْعُدُ) عَنْ النَّاسِ فِي الصَّحْرَاءِ إلَى حَيْثُ لَا يُسْمَعُ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ وَلَا يُشَمُّ لَهُ رِيحٌ. (وَيَسْتَتِرُ) عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ فِي الصَّحْرَاءِ وَنَحْوِهَا بِمُرْتَفَعِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ وَلَوْ أَرْخَى ذَيْلَهُ حَصَلَ بِهِ السِّتْرُ.
(وَلَا يَبُولُ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ فَقَالَ وَاقِدٌ عَنْ جَابِرٍ«إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ». وَالنَّهْيُ فِيهِ لِلْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ بِالْكَثْرَةِ. أَمَّا الْجَارِي فَنُقِلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ جَمَاعَةٍ الْكَرَاهَةُ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ دُونَ الْكَثِيرِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ الْبَوْلُ فِي الْقَلِيلِ مُطْلَقًا لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَالْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ. (وَ) لَا يَبُولُ فِي (جُحْرٍ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ»، وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الثَّقْبُ. وَأُلْحِقَ بِهِ السَّرَبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ وَهُوَ الشَّقُّ. وَالْمَعْنَى فِي النَّهْيِ مَا قِيلَ إنَّ الْجِنَّ تَسْكُنُ ذَلِكَ فَقَدْ تُؤْذِي مَنْ يَبُولُ فِيهِ. (وَمَهَبِّ رِيحٍ) لِئَلَّا يَحْصُلَ لَهُ رَشَّاشُ الْبَوْلِ (وَمُتَحَدَّثٍ وَطَرِيقٍ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ«اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» تَسَبُّبًا بِذَلِكَ فِي لَعْنِ النَّاسِ لَهُمَا كَثِيرًا عَادَةً فَنُسِبَ إلَيْهِمَا بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ. وَالْمَعْنَى احْذَرُوا اللَّعْنَ الْمَذْكُورَ. وَأُلْحِقَ بِظِلِّ النَّاسِ فِي الصَّيْفِ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ وَشَمِلَهَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُتَحَدَّثٍ بِفَتْحِ الدَّالِ اسْمُ مَكَانِ التَّحَدُّثِ، وَكَلَامُهُ فِي الْبَوْلِ. وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِكَرَاهَتِهِ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَمِثْلُهَا الْمُتَحَدَّثُ. أَمَّا التَّغَوُّطُ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ فِي الطَّرِيقِ مَكْرُوهٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَنُقِلَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَأَقَرَّهُ. وَمِثْلُ الطَّرِيقِ فِي ذَلِكَ الْمُتَحَدَّثُ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ هُنَا كَأَصْلِهَا، وَمِنْهَا أَيْ الْآدَابِ أَنْ لَا يَتَخَلَّى فِي مُتَحَدَّثِ النَّاسِ. (وَتَحْتَ مُثْمِرَةٍ) صِيَانَةً لِلثَّمَرَةِ الْوَاقِعَةِ عَنْ التَّلْوِيثِ فَتَعَافُّهَا الْأَنْفُسُ، وَالتَّغَوُّطُ كَالْبَوْلِ فَيُكْرَهَانِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَقْتِ الثَّمَرَةِ وَغَيْرِهِ قَالَ: وَلَمْ يَقُولُوا بِالتَّحْرِيمِ لِأَنَّ التَّنَجُّسَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ.
(وَلَا يَتَكَلَّمُ) فِي بَوْلٍ أَوْ تَغَوُّطٍ بِذِكْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِنْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِهِ، وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ التَّحَدُّثِ عَلَى الْغَائِطِ. (وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَاءٍ فِي مَجْلِسِهِ) بَلْ يَنْتَقِلُ عَنْهُ لِئَلَّا يَحْصُلَ لَهُ رَشَّاشٌ يُنَجِّسُهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إلَّا فِي الْأَخْلِيَةِ الْمُعَدَّةِ لِذَلِكَ فَلَا يَنْتَقِلُ لِأَنَّهُ لَا يَنَالُهُ فِيهَا رَشَّاشٌ، وَلَا يَنْتَقِلُ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ. (وَيَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ) عِنْدَ انْقِطَاعِهِ بِالتَّنَحْنُحِ وَنَتْرِ الذَّكَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَدَمُ عَوْدِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وُجُوبَهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ الْقَبْرَيْنِ لَا يَسْتَبْرِئُ (وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ، وَعِنْدَ خُرُوجِهِ: غُفْرَانَك الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي) وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» زَادَ ابْنُ السَّكَنِ وَغَيْرُهُ فِي أَوَّلِهِ:«بِسْمِ اللَّهِ» وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: غُفْرَانَك» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي» وَالْخُبُثُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْبَاءِ جَمْعُ خَبِيثٍ. وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ ذُكُورُ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثُهُمْ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ. وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُمْ فِي الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ مَأْوَاهُمْ، وَفِي الصَّحْرَاءِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَأْوًى لَهُمْ بِخُرُوجِ الْخَارِجِ.
(وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ) إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ (بِمَاءٍ) عَلَى الْأَصْلِ (أَوْ حَجَرٍ) لِأَنَّ الشَّارِعَ جَوَّزَ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ حَيْثُ فَعَلَهُ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَرَ بِفِعْلِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:«وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» الْمُوَافِقُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ«نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ»، فَكَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا مِنْ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ (وَجَمْعُهُمَا) بِأَنْ يُقَدِّمَ الْحَجَرَ (أَفْضَلُ) مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ بِخِلَافِ الْحَجَرِ. (وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ) الْوَارِدِ (كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ) كَالْخَشَبِ وَالْخَزَفِ وَالْحَشِيشِ، فَيُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَاحْتَرَزَ بِالْجَامِدِ الَّذِي زَادَهُ عَلَى الْمُحَرَّرِ عَنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ وَبِالطَّاهِرِ عَنْ النَّجِسِ كَالْبَعْرِ، وَبِالْقَالِعِ عَنْ غَيْرِهِ كَالْقَصَبِ الْأَمْلَسِ، وَبِغَيْرِ مُحْتَرَمٍ عَنْهُ كَالْمَطْعُومِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ«النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ» زَادَ مُسْلِمٌ«فَإِنَّهُ طَعَامُ إخْوَانِكُمْ» يَعْنِي الْجِنَّ فَمَطْعُومُ الْإِنْسِ كَالْخُبْزِ أَوْلَى، فَلَا يُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ وَيَعْصِي بِهِ فِي الْمُحْتَرَمِ (وَجِلْدٌ دُبِغَ دُونَ غَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ) فِيهِمَا وَجْهُ الْإِجْزَاءِ فِي الْمَدْبُوغِ أَنَّهُ انْتَقَلَ بِالدَّبْغِ عَنْ طَبْعِ اللُّحُومِ إلَى طَبْعِ الثِّيَابِ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُؤْكَلُ وَوَجْهُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي غَيْرِ الْمَدْبُوغِ أَنَّهُ مَطْعُومٌ وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ هُوَ قَيْدٌ فَيُلْحَقُ بِالثِّيَابِ.
(وَشَرْطُ الْحَجَرِ) لِأَنْ يُجْزِئَ (أَنْ لَا يَجِفَّ النَّجَسُ) الْخَارِجُ (وَلَا يَنْتَقِلَ) عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ (وَلَا يَطْرَأَ أَجْنَبِيٌّ) مِنْ النَّجَاسَاتِ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَفَّ الْخَارِجُ أَوْ انْتَقَلَ أَوْ طَرَأَ نَجَسٌ آخَرُ تَعَيَّنَ الْمَاءُ. (وَلَوْ نَدُرَ) الْخَارِجُ كَالدَّمِ وَالْمَذْيِ (أَوْ انْتَشَرَ فَوْقَ الْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ صَفْحَتَهُ) فِي الْغَائِطِ (وَحَشَفَتَهُ) فِي الْبَوْلِ (جَازَ الْحَجَرُ فِي الْأَظْهَرِ) فِي ذَلِكَ إلْحَاقًا لَهُ لِتَكَرُّرِ وُقُوعِهَا بِالْمُعْتَادِ وَالثَّانِي لَا بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِيهِ لِأَنَّ جَوَازَ الْحَجَرِ تَخْفِيفٌ مِنْ الشَّارِعِ وَرَدَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ. أَمَّا الْمُجَاوِزُ لِمَا ذُكِرَ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَاءُ جَزْمًا، وَكَذَا غَيْرُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ دُونَ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ (وَيَجِبُ) فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ لِيُجْزِئَ (ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ) بِفَتْحِ السِّينِ جَمْعُ مَسْحَةٍ بِسُكُونِهَا (وَلَوْ بِأَطْرَافِ حَجَرٍ) أَيْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ بِثَلَاثَةِ أَطْرَافِ حَجَرٍ، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ:«نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ». وَفِي مَعْنَاهَا ثَلَاثَةُ أَطْرَافِ حَجَرٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عَدَدُ الْمَسَحَاتِ (فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ) الْمَحَلُّ بِالثَّلَاثِ (وَجَبَ الْإِنْقَاءُ) بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ أَوْ صِغَارُ الْخَزَفِ.
(وَسُنَّ الْإِيتَارُ) بَعْدَ الْإِنْقَاءِ الْمَذْكُورِ إنْ لَمْ يَحْصُل بِوِتْرٍ كَأَنْ حَصَلَ بِرَابِعَةٍ فَيَأْتِي بِخَامِسَةٍ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) سُنَّ (كُلُّ حَجَرٍ) مِنْ الثَّلَاثَةِ (لِكُلِّ مَحَلِّهِ) فَيَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ مِنْ مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى وَيُدِيرُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعِ ابْتِدَائِهِ. وَفِي الثَّانِي مِنْ مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى وَيُدِيرُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعِ ابْتِدَائِهِ. وَيُمِرُّ الثَّالِثُ عَلَى الصَّفْحَتَيْنِ وَالْمَسْرَبَةِ جَمِيعًا. (وَقِيلَ يُوَزِّعُهُنَّ لِجَانِبَيْهِ وَالْوَسْطِ) فَيَمْسَحُ بِوَاحِدٍ الصَّفْحَةَ الْيُمْنَى مِنْ مُقَدَّمِهَا، وَبِآخَرَ الْيُسْرَى مِنْ مُؤَخَّرِهَا، وَقِيلَ: مِنْ مُقَدَّمِهَا، وَبِالثَّالِثِ الْوَسْطَ. (وَيُسَنُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِيَسَارِهِ) تَأَسِّيًا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَلْمَانَ:«نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ» (وَلَا اسْتِنْجَاءَ لِدُودٍ وَبَعَرٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بِلَا لَوْثٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِفَوَاتِ مَقْصُودِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ تَخْفِيفِهَا فِي ذَلِكَ. وَالثَّانِي يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ رُطُوبَةٍ خَفِيَّةٍ. وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ فِيهِ. وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَا النَّادِرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. وَقَوْلُ الْمُحَرَّرِ لَا يَجِبُ أَوْضَحُ.